ورقة أمتحان




تيك تاك تك
تيك تاك تك


تتسارع دقات الساعة
مع دقات القلوب


تعلن الأولى بداية الأمتحان
و تعلن الثانية بالزلازل


أصطف للأولى شبان
في زهو العمر ألوان
فتى و فتاة 
قوي و ضعيف
ذكية و حمقاء
عاقل و جاهل
كلهم لهم أمتحان 
واحد لا غير و لا يتلون بألون


و أرتشعت الأيداي للثانية 
و فقدت الأعصاب
أكلت الأنامل ندما
و أختنفت الانفاس في الخلاء
و غرقت الملابس في العرق 
و نحن ما زلنا في شهور الشتاء


قاعة صماء
و مشروفون في الطرقات
جيئة و ذهاب
يقولون …
" يوم الأمتحان يكرم المرء أو يهان "


لأول مرة أعلم
أن للصمت عذاب
و أن ساعة النهار
تزيد عن دقيقة الستين


شابت الشعور
و جحظت العيون 
و أعصاب في الانهيار
الكل ينتظر الامتحان


كم سؤال ؟
ما هو أول سؤال ؟
كيف شكل الامتحان ؟


دقائق 
و لكنها كـ سنة بأيام
تصل ورقة بدايتها
" بسم الله … نبدأ الأمتحان "


دقة بدقة 
تزلزل الأنسان
ما أصعب دقات القلوب 
حين يبدأ الأمتحان 
رفعت الورقة أعلى 
أقرء ما فيها من أمتحان
و كان ما كان 

السؤال الأول
ما دينك ؟

هنا عقد لساني و شلت أفكاري
لقد سمعت هذا السؤال
كانت تردده أمي لي
حين يزادد العقوق و النكران
كان يردده مسجدي
في كل جمعة و أذان
كان يردده من ظلمتهم بجهالة
عند كل ظلم و إستكبار
كان تردده فريستي
عندما جبنت و كنت مع الجيفة سواء

فلماذا لا أتذكر أجابته الآن ؟! 
لماذا ... لماذا؟؟!

قالت لي نفسي ....
" سيبه و شوف غيره 
لسه سؤالين 
و أوهو ينجحوك 
و تخلص بقى من الأمتحان "

سمعت كلمها و رحت
للسؤال الثاني
فكان هذا ما كان 

السؤال الثاني
من نبيك ؟

هنا شل القلم 
و تاهت الأفكار
و أبى العقل إلا النسيان
فأنا صديق النسيان
خاصة تلك الأسماء
التي يطلقون عليها أسم 
" أسماء الأنبياء "
و حاولت تذكر هذا الأسم 
و لكن هباء
فقد كان يقول مدرسي دائما
نبينا قال ..... نبينا قال ....
قال صل و صم و زك و حج لك جنان
قال ربي و هذب و علم و نور القلب بالإيمان
قال أقر و أعمل و أنشر السلام

قال و قال و قال
لكن الأسم في النسيان


أاااااااااااااااااه
تذكرت 

أليس ذلك الأسم الذي يردده مسجدي كل آذان
أليس ذلك الأسم الذي يربطونه
بالرحمة و الإيمان
بالعطف و الأحسان
بالكمال و الجمال
بالأخلاق و الأدآب
بالأمانة و كرم الأعراب

لكني أنسى دائما الأسم
فسحقا لعقلي و لذلك النسيان

فقالت لي نفسي ....
" لو كنت تعلم أنه سيأتي في الأمتحان 
كنت قرأت عنه و عرفت أسمه 
يلا ... مش مهم
السؤال الأخير أكيد أنت عرفه
و الأستاذ هيعطف عليك و ينجحك "


سمعت الكلام تمام
و رحت للسؤال الثالث
و الأخير كمان
و كان هذا ما كان 


السؤال الثالث
من ربك ؟

عندما وصلت هنا
زادت عصبيتي و إرتعشت يدي
و لما لا
فأنا لم أحل أي سؤال
و قد لا أجيب على ذلك كمان
و أرسب في الأمتحان 

و عندما رأيت السؤال 
جحظت عيني و سقط قلمي
فأنا أتذكر تلك الكملة جيدا
رب ..... رب ..... رب

أليست تلك التي علق صورتها أبي
في بيتنا 
أليست تلك الكلمة التي ترددها جدتي
في دعائها كل صباح
أليست تلك الكلمة 
التي قالها من ظلمتهم عندما أنصرفوا
أليست تلك الكلمة 
التي رددها صديقي 
عندما كانت زوجته تهديه طفلا


أمسكت رأسي بيدي أفركها
لعل ذلك يحرك شئ
فأمحي النسيان و أتذكر الأجابات

نظرت يميني
رأيت شبابا وجهوهم كالنور من الفرحة 
بتلك العلامة السمراء على رؤسهم
ببسمة سنهم الأبيض الخلاب
و رأيت 
فتيات كأني أرى على رؤسهم التاج
رغم سواد ملابسهم السمراء
و زنين لهم 
كزنين النحل الكرماء
لكن زنينهم 
تسبيح و تهليل و تحميد

وقف من هؤلاء الشباب للخروج
و من لجنة الأمتحان
و أخبر المراقب بإنتهائه من الأمتحان 

فتعجبت و قلت
كيف أنتهى من الأمتحان بسهولة و أمان ؟


و نظرت يساري
و رأيت أخلاء أعرفهم
ببهجتهم و صخبهم و حياة الملزات
لكن حالهم مع الأمتحان
أصعب من حال و أسوء كمان
يلتفتون يمنة و يسار
يريدون الجواب على الأمتحان
يعضون الأنامل ندما على الأيام
و بنات منهم
يشددن شعورهن و يخربون المكياج
و شباب منهم
جن و شابت شعورهم في لحظات
و أنا مثلهم و في أصعب حال


صدمت من الإمتحان 
و هامت روحي 
و لم تعد رجلاي تحملان
كاهلي و هذا الامتحان
فسقطت مغشيا
جاء الطبيب و أفاقني 
و أخبرني أني بخير حال
و أعطاني دواء لعلة جسدي
و لا يدري ان علتي
في تلك الروح الهائمة 
و ذلك القلب السواد


دقائق أخرى 
و أنتهى الامتحان 
و كما وزعت الأوراق 
جمعها المراقبون كمان
و كل الطلبة كانوا فريقان 
فريق البهجة و النور في الوجوه
و فريق مثلي هائم على الوجوه
رؤس منكسة تنظر للأرض من الخذلان
تحركت رجلي بعجب
و ساقتني لجسر لنيل الأمصار
و تحولت عيوني لمجرى المياه
و عقلي يسبح و يرجع الذكريات
كيف سأعود لبيتي
بعد هذا الخزلان
و خلال دقائق لا أتذكر حرفا مما قيل
لعنك الله يا ذا الصاحب البائس
يا من أجلت أعمالي لحين يوم الإمتحان
فكنت أنا من أهل الرسوب و الإخفاق
و فررت أنت بغدرك و قلت
" أنا نفسي أنا نفسي
لا أعرفك و لا تعرفني
كنت أنا على عصيان فلماذا أتبعتني 
أنا نفسي أنا نفسي "


لا حياة لي بعد الآن 
غدر بي الصاحب البائس
و خسرت الإمتحان 
و لن أجعل روحي تخسر
بعصيانها في حياة آخري و لو أيام 
أفضل لي أن يحويني هذا النهر في جوفه و ظلمته
من أن تحويني الحياة أو أعود لدورة إعادة الإمتحان


هممت بالإنتحار
في يأس و ضعف و إيمان
بأن لا خيار إلا الانتحار للخذلان

فإذ بيد تحوطني 
و ترفع رجل من على حافة الهاوية 
و هو يقول
" مهلا يا صديقي .. "

فذعرت و وجلت 
و نظرت 
لأرى وجه كأنه النور
كالقمر في ليلة الأنتصاف
و سن مبتسم
هدأ روعي في لحظات

فقال لي ..
" لما الإنتحار و اليأس من الأيام ؟
فقلت ...
" ضاقت الحياة بي و أهلكتني الأيام "

فرد قائلا
" ما زال في جسدك روح
و ما زال في الأيام ساعات
تجهز بسلاح لك
و أهلك يأس و نار الأيام
قبل أن تهلكك بالإنتحار "

فأخبرته ...
" بأي سلاح و أنا على عصيان 
و صحبي غدر و ولى بنكران
و جيبي لا يملك درهما و لا دينار "

فأخبرني ...
" مازال الخير موجود 
و النور موجود في الظلام
هناك في تلك الجزيرة و سط الرمال
يابسها أسود خصب
و زرعها أخضر يانع
و أهلها أخيار
أذهب هناك
و عش أحلى حياة 
بطاعة الله
فهي سلاح 
و خير السلاح "



ففرحت و عزمت 
و حملت خلتي و عصاي
و هجرت اليأس و سوء الحال
وفي الطريق
أرهقني مشي الصحراء
و جفاف الماء
فبت ليلتي القمراء
في العراة على الرمال الصفراء
و أضجعت و نظري للسماء
و أتأمل حالي
الذي تبدل من حال إلي حال
و أنظر مستقبلي في الواحة الخضراء
فرأيت شهبا تخترق النجوم الصماء
و تنتهي بعيدا في السماء
هنا حمدت ربي 
و رجوته بأن يحميني بنجوم كتلك التي في السماء
تبعد عني شيطان 
صاحب الأمس و عدو الحاضر و المستقبل
بإذن الله

أصبحت نهاري 
بلفحات من ضياء الشمس
و توكلت على الحفيظ
إلي الجنة الخضراء
و كان ما كان

فقد رزقني ربي 
بنجوم ليست من السماء
و أنما نجوم من بني الأنس 
نجوم عربا أخلاءطريقهم خير
و حياتهم خير
و قولهم خير
و صمتهم خير
و قلبهم خير
و جوارحهم خير

عمرو القلب الخاوي
بحب في الله
و عمرو العقل الجاهل
بحكمة العلماء
و أشغلوا الجوارح الصامتة
بحركة و دأب و نشاط
و أضحكوا فيّه عابس
بضحكات و بسمات

كانت الواحة الخضراء
كعقار دأب و نشاط
فشفي جسدي 
كأنه كان في عقال
و كان النجوم الأخلاء
عصاي أرتكز عليها في هذة الحياة
و كانت كتبي و ليل سهري
وسيلة النجاح
في إعادة دورة الإمتحان

و فهمت لما كان الشباب 
أهل اليمين
كانوا مبتسمين
و وجهوهم كنور المبين
و لما كانت الأميرات الفتيات
يسبحن و يضعن تاج الحجاب

فهؤلاء من منّ عليهم المنان
بثلاث أشياء
1- معرفته
2- صحبة أوليائه و أهل محبته
3- فقه الدين و الحياة


أعدتنا لأمتحان المدرسة
أشهرا و أيام 

و إن رسبنا 
فهناك إعادة لتجبير النقصان
و إن نجحنا نعلن الأفرح

فهل أعدتنا شيئا لأمتحان لا إعادة له ؟!
هل أعدتنا شيئا في تلك السنين و الأيام؟!
هل أعتدتنا شيئا نجيب به
على سؤال الملكان؟!

يقول تبارك الحق :
يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياه الدنيا وفي الاخره ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء
ابراهيم (آية:27)

كتبه / أحمد
17/1/2011


0 التعليقات:

Leave a Comment

Back to Home Back to Top نسمات الربيع. Theme ligneous by pure-essence.net. Bloggerized by Chica Blogger.